العدد 5671
الأربعاء 24 أبريل 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
الحبُّ عند العرب ،، تراث أصيل
الأحد 05 مارس 2023

الحبُّ والمحبين عند العرب تراث أصيل لما يغلب عليهم من فطرة، ورهيف إحساس، وفصاحة لسان وجنان، سطروا في ذلك جميل الأشعار، وقصص ومرويات تناقلتها الأجيال. الحبُّ تراث ضمته جوانح التاريخ القديم، وسقى فيضه التآليف والنقول. اللغة العربية في بيانها وبديعها ومجازها وعاء انسكب به خيالات الشعراء وأشواقهم وطللياتهم، ولوعات ترحالهم، ارتصفت بالنغم الدلالي البليغ، وسياقات الوصف والتشبيب، والتفخيم والافتخار، هكذا هو الحبُّ عند العرب له زخوم رادحة، غُرزت في المدر والوبر والواحات والفيافي والجبال، وشهدت عليه السماء بغيومها والنجوم بضيائها.

والتاريخ ناجب وَلُود عبر الأجيال، حاملا معاني الحب والشوق.كتاب طوق الحمامة في الألفة والألالف لابن حزم الأندلسي قبل ما يزيد عن تسعة قرون مضت، تحفة أدبية إنسانية لها سبقها التاريخي في التآليف بين الأمم. وابن حزم وزير وفقيه وفيلسوف فصل عناصر الحبّ وصفاته وآفاته، وملاحظاته عن المحبين من أهل عصره، واطلق عنانه بذكر التجارب فيه، واردف ادلة وشواهد نصيه قائلا؛ "أن الحب ليس بمُنكر بالديانة ولا بمحظور في الشريعة". وهنالك كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين للعلامة بن قيّم الجوزية المُتوفى عام 751هـ، وهو ذاخر بنصوص تتهادى للمحبين.

امرؤ القيس الكنْديّ شاعر المعلقات تأوه قائلا؛
أفاطِمُ؛ مهلاً، بعض هذا التَّدلُّلِ
وإن كنت قد أزمعْت فصري ُ فاجمِلي
أغرَّكِ مِنّي أنَّ حبَّكِ قاتِلي
وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

تتبع شواهد المحبين فيها عجب لاقوالهم وأشعارهم فخذ مثلا؛ المنخل اليشكري الذي عاش قبل الإسلام، وهو في بوح المحبة له بساطة غريف، إذ قال لمحبوبته؛
وأَحبُّها، وتحبُّني
ويحبُّ ناقتها بعيري
ولمكانة الحبُّ استمر العرب بعد الإسلام يستهلون قصائدهم بالغزل والتشبيب، وحفل تاريخ الأدب العربي بروائع قصص الحبُّ، ومن هؤلاء مثلا؛ جميل بن معمر صاحب بثينة الذي خاطبها؛
وإني لارضى من بُثينة بالذي
لو ابصره الواشي لقرَّتْ بلابُله
ب"لا"، وبألّا استطيع، وبالمُنى
وبالأمل المرجُوِّ قد خاب آمُله
وبالنظرةِ العجلى، وبالحولِ تنقضي
أواخرهُ ولا نلتقي وأوائله
حتى يقول مُكتفيا بالقليل منها؛
أُقلَّب طرفي، في السماء لعلَّهُ
يوافق طرفي طرفها حين ينظُر
وجميل وبثينة تحابا صغيران، وهما من قبيلة عذرة احد قبائل قضاعة تسكن شمال الحجاز وعُرفت بالحب والجمال، حينما خطب جميل بثينة للزواج رفضوه اهلها ومنعوه رؤيتها، وظل على حبّة حتى قضى أسى وحسرة ولوعة على فراقها.

وهكذا تتواتر سرديات القصص بقيس ولُبنى التي قد تزوجها ثم طلقها نزولا لارادة ابيه، ولم ينفعه الندم فهام على وجهه لعله يجد السلوان صابرا حتى فارق الحياة. وكذلك توبة بن الحميّر مع ليلى الاخيليّة، وعمر بن ابي ربيعة وصاحبته الثريا، وقيس بن الملوح مجنون ليلى، ومجروح بن ذريح ومحبوته لُبنى، وعفرة بن خزام وعفراء.

والحبُّ له دلالة وصف عند العرب كقولهم ؛
انه إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعث منهما لمحة نور تستضئ بها بواطن الاعضاء، فتتحرك لاشراقها طبائع الحياة، فيُصور من ذلك خُلُقٌ حاصر للنفس متصل بخواطرها يسمى الحبّ. وقيل عن الحبّ هو؛ اصعب ما رُكب، واسكر ما شُرب، واقطع ما لُقي، واحلى ما أشتُهى، وأوجع ما بطن، وأشهى ما علن.

ختاما
الحبُّ والعشقُ عفة ونزاهة وقد قيل؛
وما العشقُ إلا عفّةٌ ونزاهةٌ
وأُنسُ قلوبٍ أُنْسُهُنَّ التغزُّلُ
وإني لأستحيى الحبيب من الّتي
تُريبُ، وأدعى للجميل فأجملُ

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .