العدد 5671
الأربعاء 24 أبريل 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
ملحمة جلجامش .. تراث سومري خالد
الأحد 12 مارس 2023

ملحمة جلجامش اطلت علينا ضمن تاريخ حضارة وادي الرافدين في الاولى متوسط، حينها تشربت جاذبية نصوصها ودرامية احداثها والبحث عن أكسير الشباب وسر الخلود، واطربت رمزياتها الذهن في الصبا، واحتفظت الملحمة بخصوص فهم يتسع عند تكرار مطالعتها. بعض الباحثون ومؤرخو الأدب يصنفوها انها من بين شوامخ الأدب العالمي، وأن الحضارة السومرية التي أنتجت هذه الملحمة مكانتها سامية بين حضارات العالم القديم. ملحمة جلجامش هي أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات. وهي أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هنالك ما يُقرن بها او ما يُضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني.

الملحمة دونت بالخط المسماري قبل 4000 عام، ومحتواها أثار كثير ما يشغل بال الإنسان وتفكيره، وما يكتنف حياته العاطفية والفكرية؛ كمثل الموت والحياة، والصراع الأزلي بين الموت والفناء المُقدرين، وبين إرادة الإنسان المغلوبة المقهورة ومحاولته التشبث بالوجود والبقاء، والسعي وراء وسيلة الخلود التي تمثل مطلب الانسان المكرر "التراجيديا"، او ما يسمى اللغز المُحير لعاطفة الفرد وأحاسيسه، ورغباته وغرائزه التي تزداد عمقا وألما، كلما شارف الإنسان على الشيخوخة. والملحمة لا تغفل في إشاراتها كذلك، لما يدفع للإقبال على الحياة واستغلالها الى أقصى حدود الاستغلال الفردي وإنجاز الاعمال. وتناولت الملحمه مضمون حدث الطوفان القديم.

جلجامش هو معروف في النصوص التاريخية انه حاكم الوركاء، وهي مدينة سومريه تقع على الفرات تقع 30 كم شرق السماوه حالياً. وهي درة المدن السومرية التي اضطجعت على بساط الخصب، وتعتبر مركز سياسي لسلالات خلد التاريخ مآثر عدد من ملوكها، ومنهم جلجامش بطل الملحمة وصاحبه المسمى (انكيدو)ويعتبر البطل الثاني. يرجع زمن اكتشاف الألواح الطينية للملحمه الى عهد الاستكشافات الأثرية، التى قام بها أوائل المكتشفون من هواة الآثار، وقناصل الدول الأجنبيه في مدن العراق منتصف القرن التاسع عشر ميلادي. ولا سيما(أوستن هنري لايارد، وهرمز رسّام، وجورج سمث)، والتي وجدت في خزانة
كتب الملك الاشوري اشوربانبيال (668-626) قبل الميلاد. وهي تتألف من اثني عشر لوح وكل لوح فيه 300 سطر. ولم يفطن الى أهمية هذا الاكتشاف إلا منذ عام 1872م، حين أعلن (جورج سمث) عنها في لندن فأثارت حماس المتابعين والباحثين، مما حدا بجريدة (ديلي تلغراف)، أن تتبرع بألف جنيه لينفقها جورج في مواصلة الحفر في خرائب نينوى. وقد نجح فعلاً في العثور على اجزاء مكمله ونشر بحوثه قبل وفاته عام 1876م وهو في السادسة والثلاثين من عمره.

يُحتفظ بالألواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة، وهي جزء من مكتبة الملك الاشوري بانيبال في المتحف البريطاني حالياً. وهناك أيضاً تمثال لجلجامش يحمل أسداً وأفعى في متحف اللوفر بباريس يعود إلى 800 ق.م، وتمثال اخر له في متحف
بيرغامون في ألمانيا.

ونختم بجزء من مقطوعه في اللوح العاشر حينما خاطب أحدهم جلجامش فقال له؛
ان الموت قاس لا يرحم
هل بنينا بيتاً يقوم الى الأبد
وهل ختمنا عقداً يدوم الى الأبد
وهل يقتسم الإخوة ميراثهم
ليبقى الى آخر الدهر
وهل تبقى البغضاء في الأرض الى الأبد
وهل يرتفع النهر ويأتي بالفيضان
على الدوام
والفراشة لا تكاد تخرج من شرنقتها فتبصر وجه الشمس حتى يحل أجلها

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .