أبو الطيّب المُتنبّي واسمه أحمد بن الحسين الجعفي الكندي الكوفي الذي قيل إن أسمه اخذه لانه متنبِّئ الشعر، الكوفة فيها مولده عام 303هـ.، وعرّف نفسه قائلا؛
وما الدهر إلا من رواه قصائدي
اذا قلت شعرا اصبح الدهر منشده
هكذا هو ملك ناصية البيان ومكنون اللغة التي أضفت جمال وعذريه لأشعاره، فتخلد ذكره عبر العصور وبلغ الغاية في شعره، واشغل من بعده لقصائده يكونوا مُرددين. حتى ابن رشيق القيرواني المُتوفى عام 456هـ اورد في كتابه الشهير "العمدة" مقولته الشهيرة: "جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس".
المتنبي قُتِل بالقرب من دير العاقول على نهر دجلة في 28 رمضان سنة 354هـ الموافق 27 أيلول عام 965م. ودير العاقول هي قرب المدائن، على خط المسافرين الى واسط والبصرة، وكان مقتله على يد فاتك بن ابي جهل الأسدي، وسبب قتل المتنبي انه هَجَا ابن اخت فاتك واسمه ضبّه بقصيده كثيرة القدح والالفاظ البذيئة والتي منها؛
ما انصف القوم ضبّة
وأمه الطرطبّة (عظيمة الثديين)
وزاد فيها قائلا؛
ما كنت إلا ذبابا
نفتك عنا مذبه
وكنت تفخر تيها
فصرت تضرط رهبة
وإن بعدنا قليلا
حملت رمحا وحربة
وقلت ليت بكفي
عنان جرداء شطبة
إن أوحشتك المعالي
فإنها دار غربة
أو آنستك المخازي
فإنها لك نسبة
هذه القصيدة نسبتها للمتنبي لها ثبوت، قالها وهو في غضب، وبعض النقاد جعلها من سقطات المتنبي.
حكاية مقتله
تورد كتب تاريخ الادب ان ضبة بن يزيد العتبي، خرج مع عائلته يوماً فاعترضه قوم من بني كلاب فقتلوا أباه وسبوا أمه وفسقوا بها، وصادف ان مر أبو الطيب المتنبي بضبة مع جماعة من أهل الكوفة فأقبل عليهم هذا الاخير يجاهر بشتمهم وسبهم، فانشد ابو الطيب هذه القصيدة التي تصف ما حصل له مع الاعراب وفسقهم بأمه، وعلم فاتك بن أبي الجهل الأسدي خال ضبة بالقصيدة فغضب عند سماعها وأراد الإنتقام لأخته وابنها ضبة، فاعترض سبيل أبي الطيب وهو في طريقه إلى بغداد فالكوفة وواجهه بنحو 30 من رجاله وقيل اكثر، فقاتله المتنبي حتى قُتل هو وابنه محسّد وعدد ممن كانوا معه وكان هذا في سنة 354هـ.
نسب المتنبي جدلي
دخلته مرويات غير متفق عليها في تسلسل انتماءه، حتى ان الغموض اكتنفها حين حياته وبعد مماته، ولم يجتمع الدارسون له على اتفاق قطعي رغم شيوع صيته. نذكر منهم مثلا؛
-طه حسين في كتابه "مع المتنبي"
يقول عنه إنه لَقيط لم يُعرف أباه او أمه
وإنه كان قرمطيا. قرمطيا يعني من اتباع القرامطة الحركة التي احدثت الفوضى القبلية، والتي تبنت تشيعا مذهبيا أُختلف في شأنها. ذكر الامام الطبري المؤرخ والمفسر الذي عاش ذلك الوقت أن القرامطة فرقة كيسانية، نسبة الى كيسان مولى علي بن ابي طالب التي تعتقد أن الإمامه منصوص عليها لمحمد بن الحنفية احد أبناء علي بن ابي طالب. في ذلك الوقت أسس هذا التوجه حمدان بن الأشعث القرمطي في القرن الثالث هجري.
وحمدان القرمطي أصله من الاحواز (خوزستان)، وأعلن دعوته في بلدة واسط التي تقع اليوم بين الكوفة والبصرة، استمر نفوذ القرامطة قرابة مئة عام وكان مركزها اقليم البحرين، وهم قد احدثوا خرابا في العراق والجزيرة العربية ونصف اليمن، وأخذوا الحجر الاسودِ وكسروه ولا زال مكسّرا حتى الان حتى قضى عليها العباسيون سنة 378هـ.
-المؤرخ محمود شاكر
في مقال له في مجلة المقتطف الصادره عام 1936م، يعتقد ان المتنبي إبن لأحد كبار العلويين وربما جعفيا اي من اتباع المفضل الجعفي وهو راوي من اصحاب جعفر الصادق.
-ابراهيم العريض
وهو احد ابرز شعراء البحرين تُوفي عام 2002م يُذكر عنه القول ان الامام المهدي إبّان غيبته الصغرى تزوج امرأة من الكوفة أنجبت له المتنبي محاولة منه ان يلحقه بنِسَب الى الامام محمد المهدي المنتظر، فحاربه العلويين ورفضوا الاعتراف بنسبه. العريض له كتاب اسمه "فن المتنبي بعد الف عام" الذي يراه البعض مثل حديقة ادبية سياجها التاريخ وارضها تربة فنيه زرعت قوادم لدراسات نقدية لشعر المتنبي.
المتنبي وسيف الدولة
تاريخيا يُروى لولا ابو الطيب المتنبي ما امتلأت مسامع الناس مدح سيف الدوله الحمداني ولولا سيف الدولة ما عرف الناس ابا الطيب كما يستحق ان يُعرف. وسيف الدوله اسمه علي بن عبدالله الحمداني ونسبه الى قبيلة تغلب الوائليه العدنانية وكان حاكم مملكة حلب الشهباء إبّان الدولة العباسيه ويشمل حكمه من حُمُّص جنوبا الى جبال طوروس وأرمينيا شمالا
ومن الموصل شرقا الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غربا، وينسب ان ما قاله المتنبي في حلب لسيف الدوله وتسمى السيفيات تملئ ثلث ديوان المتنبي خلال تسع سنين قضاها معه مرافقا كانت اجمل وأغلى ما قلّده شاعر في جِيد ممدوح حبيب على مدى تاريخ اللغة العربية.
كقوله؛
أين أزْمَعْت أيُّ هذا الهُمامُ
نحن نبتٌ الرُّبى وانت الغَمامُ
ليت أنّا اذا ارتَحلْت لك الخيْال
وأنّٓا اذا نزلت الخيام
وقوله ايضا مادحا؛
فَإِنْ تَفُقِ الأنام وانتَ منهم
فإن المسكَ بعضُ دَمِ الغَزَال
ختاما المتنبي
غدت عنده مفردات اللغة في شعره كالجواهر ينتقي منها اللؤلؤة المناسبة ليصُفّها ويضَعَها في قصائده مثل عقد يتلألأ بابهى حُلِيّه، وديوانه خَلْدَ قصائد التي قاربت 281 فيها5351 بيتا من الشعر.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |