العدد 5645
الجمعة 29 مارس 2024
banner
د. علي خالد بواعنه
د. علي خالد بواعنه
أهم مبادئ المنهج النبوي الشريف في تعزيز تعلّم الطلبة للعلوم المختلفة 
السبت 20 مايو 2023

إن المتأمل في الفكر التربوي الإسلامي وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجده زاخراً بفكر وتصور تربوي متكامل وشامل، متضمناً العديد من المبادئ والنماذج والأسس التربوية التي تصلح لكل زمان ومكان. حيث ينبثق هذا المنهج من فلسفة العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة. ومن هذا المنطلق نجد المنهج النبوي الشريف يركز على مجموعة من المبادئ المهمة والتي تتوافق مع النظريات التربوية الحديثة في حث الطلبة على العلم وتعزيز دافعيتهم نحو التعليم والتعلّم. ويمكن إجمال هذه المبادئ بالآتي:
أولاُ: استثمار حواس المتعلمين من خلال النداء والممارسة والتكرار الذي يعزز دافعيتهم واتجاهاتهم نحو التعلّم ويصل بهم إلى مرحلة الإتقان. فعلى المعلم أن يدعم طلبته وينتقل بهم إلى الأفكار المحسوسة والمعنوية من خلال إغناء بيئتهم التعليمية بمثيرات مناسبة ومتنوعة تتوافق مع تنوع الطلبة، ومدى توفرها بالبيئة التعليمية كاللوحات، والمجسمات، والصور، والفيديوهات، والمجلات العلمية وغير ذلك، تجسيداً للنظرية السلوكية في التعليم والتعلّم. كما أنه لا بد من التأكيد على أهمية البدء بالتدريس بالمفاهيم العامة، ومن ثم الانتقال للمفاهيم الخاصة ومن ثم التطبيقات ذات العلاقة كما تنادي بذلك نظرية التعلّم ذو المعنى. وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من ممارسات عملية كرمي الجمار، الطواف، والنحر.
ثانياً: ورد في القرآن الكريم والهدي النبوي العديد من المواقف التي تؤكد أن لكل فرد الحق في التعليم، وهو ما يسمى اليوم "الزامية التعليم". وقد برز ذلك في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم مع أسارى غزوة بدر، كما حث الإسلام منذ بداية الدولة الإسلامية على أهمية توفير مراكز ومؤسسات التعليم كالمساجد والكتاتيب وغيرها. وهذا ما عمدت اليه معظم الدول من خلال توفير الفرص المتكافئة للجميع وفقاً لقدراتهم واستعداداتهم، من بناء المدارس وملحقاتها من مختبرات متنوعة، ملاعب، وساحات، وتوفير مناهج عصرية متطورة ومجانية، وتوفير فرص التعلّم للطلبة الاستثنائيين – من ذوي الاحتياجات الخاصة -، هذا بالإضافة إلى توفير الكوادر البشرية المتسلحة بالعلم والمهارات والاتجاهات. 
ثالثاً: التعلّم الذاتي والتعلّم مدى الحياة. تعتبر هذه من المبادئ الأساسية في التعليم والتعلّم في عصرنا الحالي، حيث ينبغي على التربويين مساعدة طلبتهم على البحث والتقصي من تلقاء أنفسهم ويسلحونهم بالأدوات اللازمة لذلك. وهذا بالطبع يعزز مبدأ المسؤولية الفردية، ويعطي لكل فرد فرصة التعلّم بالطريقة التي يراها مناسبة له ونوع التعليم الذي يتوافق مع اهتماماته وشخصيته باعتباره الأكثر معرفة بنفسه. من جهة أخرى فإن التعليم والتعلّم عمليات مستمرة مدى الحياة ودون انقطاع، ولا بد من مواكبة التطورات والمتغيرات المستجدة في مجالات العلوم المختلفة، مما يعزز النمو العقلي والوجداني للأفراد وكذلك تقديم لبنات وإضافات علمية في البناء المعرفي العالمي. فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه في مختلف الأماكن والظروف، في المسجد، والسوق، والبيت، والشارع، وكذلك استثمار المواقف المختلفة.
رابعاً: مراعاة التنوع لدى المتعلمين.  يختلف الناس فيما بينهم في العديد من الصفات الموروثة والمكتسبة من النواحي العقلية، والنفسية، والجسدية، والاجتماعية، وغيرها.  ذلك أن معرفتنا كتربويين بمجالات تنوع المتعلمين يساعد في توقع سلوكياتهم في المواقف المختلفة، والحكم الأولي على مدى نجاح الفرد في تحقيق مخرجات التعلّم المستهدفة من غير ذلك. وهذا بالطبع يستدعي من التربويين مراعاة التنوع واستثماره باعتباره مصدر قوة للتحسين والتطوير في تصميم البرامج التعليمية والمناهج والمقررات المختلفة آخذاً بالاعتبار احتياجاتهم، ميولهم، قدراتهم، استعداداتهم، أنماط تفكيرهم وتعلمهم، وتنوع الذكاءات لديهم لما له من دور في توجيههم بشكل صحيح ومناسب للمهن والمجالات العلمية المختلفة التي تتوافق مع تنوعهم. وتأتي هذه المراعاة متوافقة مع نظريات التعلم القائم على الدماغ يدعمها في ذلك النظرية المعرفية أيضا. وهناك العديد من المواقف في السيرة النبوية تدلل على مراعاة الرسول صلى الله عليه وسلم للتنوع واستثمار خصائص أصحابه وقدراتهم كاختيار عمرو بن العاص لقيادة سرية ذات السلاسل، وقصة الرسول الكريم مع مالك بن الحويرث.
خامساً: ضرورة الاسهام في بناء التراث العلمي العالمي. في الوقت الذي لا يمكن فيه اغفال البناء العلمي العالمي، بل على العكس فقد أصبح من الواجب استثماره والبناء عليه بعد قراءته قراءه ناقدة. كما أنه من الأهمية بمكان في هذا الباب بث روح حب العلم وطلبه في نفوس الأبناء، وتشجيعهم على ذلك، ومقاومة الانهزام النفسي أمام التقدم العلمي والتقني في الغرب والشرق، وكذلك ابراز دور العرب والمسلمين في تقدم الحضارة الإنسانية والبناء المعرفي العالمي. يأتي هذا المبدأ تجسيداً واضحاً للنظرية البنائية في التعليم والتعلّم القائمة على استثمار الخبرات الفردية والجماعية والانطلاق منها في تعزيز التعلّم وتحقيق التقدم العلمي الفردي والمجتمعي والعالمي.
سادساً: التدرج التربوي: يشير مبدأ التدرج في التربية إلى أن عملية التعليم والتعلّم تأتي على مراحل وفترات محددة هدفها تعديل السلوك والعادات والممارسات غير المرغوب بها. يترتب على تبني هذا المبدأ مراعاة التنويع في طرق التدريس بما يتوافق مع الفئة المستهدفة، وتفعيل طرق التدريس الممتعة والمشوقة كالتعلّم النشط، لعب الأدوار، التفكير التصميمي، حل المشكلات، التعلّم بالمشاريع، وتفعيل التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات المتطورة التي تحفز دمج الطلبة وتعزز تعلمهم. وكذلك مراعاة الموضوعات العلمية المطروحة وعمقها. حيث أكد علماء النفس وجود اختلافات بين الناس في مستوياتهم الفكرية والادراكية وقدراتهم النوعية في التحصيل. تشير سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العديد من المواقف التي تؤكد هذا المبدأ منها الوصايا التي قدمها للصحابي معاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن.
سابعاُ: أهمية بناء علاقة إيجابية وبناءة بين المعلم والمتعلم. تسهم العلاقة الإيجابية القائمة على الاحترام والمودة بين المعلم والمتعلم في البناء الروحي والفكري والأخلاقي لدى المتعلمين. كما تؤثر بشكل كبير في أداء المتعلمين، واتجاهاتهم نحو التعليم والتعلّم. فالمعلم يعتبر قدوة المتعلم، والعلاقة القوية والايجابية بينهما تزيل الحاجز النفسي وتساعد في احداث التغيير المرغوب في سلوكياتهم واكسابهم القيم والمعايير التي يحكم من خلالها الطلبة على جودة أعمالهم وافعالهم. وكذلك تجنب مجابهة الطلبة بالتوبيخ والعقاب، والتركيز على التعزيز الإيجابي والسلبي والتنويه لمعالجة السلوكيات غير المرغوبة بطريقة عامة وغير موجهة لطالب بحد ذاته تفادياً للإحراج والتوبيخ المباشر. وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال صحبته للمسلمين على تأديبهم وتعليمهم وغرس القيم الأخلاقية فيهم ومنها ما جاء في أول خطبة له صلى الله عليه وسلم، وفي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. 

قسم تدريس الرياضيات والعلوم وتكنولوجيا التعليم - كلية البحرين للمعلمين – جامعة البحرين

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية