العدد 5645
الجمعة 29 مارس 2024
banner
صادق أحمد السماهيجي
صادق أحمد السماهيجي
"شاوي" عمان في فرنسا
السبت 03 يونيو 2023

أهداني الصديق العزيز فائز المعمري من سلطنة عمان الشقيقة، نسخة من كتابه الأخير "مذكرات شاوي في فرنسا" الصادر عن مكتبة بذور التميز 2022م، لينقلني من مجال خطوات التميز، والاستمتاع باللحظة، واكتشاف الموهبة، وهو مجال التنمية البشرية الذي اعتاد أن يكتب فيه من خلال إصداراته، إلى فنون أدب الرحلات ومغامرات السفر واتجاهات المعرفة. 

أن تكتب في أدب الرحلات، يعني أن تزوّد القاريء وتمده بالعديد من المواقف والحكايات والذكريات، وتبحر معه في الكثير من التقاصيل، وتستنتج الكثير من الحكم التي أراد الكاتب أن يوصلها بطريقته المباشرة وغير المباشرة. 

السفر، وسيلتنا وواسطتنا السريعة، للدخول في عوالم الآخرين بمختلف عاداتهم وطبائعهم وثقافاتهم، فلكل دولة طابع، ولكل مجتمع طريقة خاصة وأسلوب حياة يمتاز فيه عن مجتمع آخر.

استطاع فائز المعمري، في صفحات كتابه المكونة من 148 صفحة أن يقدم وجبة دسمة وسلسة، لم تخلُ من حس السرد الفكاهي في أثناء انتقاله بين عناوين الكتاب، فبين لحظة وأخرى يكسر جمود القاريء بـ "قفشة" عمانية، وكأنه يقول: لا تنسى أن تجرب معي قطعة من حلوى عمان في هذه اللحظة.

استطاع المعمري، أن يجعل القاريء يعيش معه معظم اللحظات في أثناء رحلته إلى عاصمة الأنوار فرنسا بعد حصوله على منحة للدراسة هناك، مع عدد من طلبة المعهد في العام 2008 لتعلم اللغة الفرنسية بمدينة ليون، وتمكن فائز من مرافقة القاريء في أبرز المواقف التي واجهها هناك، بحلوها ومرها.

 ليس ابتداءً بمشاعر الخوف والقلق التي صادفته عندما ترك المرأة العجوز واقتيد إلى شرطة التفتيش، إضافة لصعوبات الغربة، وليس انتهاءً بتجربة القطارات، وطريقة أكل الشمام، والجرسون الغاضب الذي "توهّق" المعمري أن يوصل له كلمة أناناس بالفرنسية، واكتشف أخيراً أن الجرسون يتحدث العربية.  

أصرّ الكاتب، التمسك بتراثه الأصيل، من خلال اختيار عنوان "الشاوي" المنسوب إلى الشاء وهي جمع شاة، كرمزية تدل على مهنة عائلته في رعي الأغنام، وهو اللقب الذي اختاره له أحد أصدقائه العمانيين في الرحلة، في بيان للفروقات التي جعلت من شاوٍ يحضر من ولاية دماء والطائيين في محافظة شمال الشرقية بعمان، وذلك وسط أناقة الفرنسيين وصيحات موضاتهم.  

وهو ما أكد على ضرورة أن يفتخر الإنسان بأصوله مهما كانت الأسباب، وهو ما حاول غلاف الكتاب أن يقوله من خلال المزاوجة بين اللباس التقليدي وطبيعة اللباس الأوروبي، فيما كانت الصورة ستكتمل أكثر، لو استخدم الكاتب صورة غلاف تحاكي الفترة التي عاشها الكاتب وهو في أوج شبابه، كما بدت الصور التي احتواها الكتاب بين ثنايا الصفحات. 

أبدع الكاتب، في إيصال العديد من الرسائل في قالبٍ انسابت منه الكلمات بكل سلاسة، فبعث المعمري برسالته متحدثاً عن الوحدة والبناء والتعمير في باب "مجتمع واحد" ص 68، وفتح المجال لتحليل شخصية "المعلم ذو القميصين" ص 79، وعند الصفحة 87 يؤكد الشاوي فائز على مفهوم الشغف وحب العطاء من خلال ما تعلمه من نصائح الإسبانية الجميلة.

تناول شاوي عمان في كتابه، ما يُلفت من العبارات الجميلة، فتارة يقول "رددت عليه بصوت كمحرك سيارة قديم في صباح شتوي" في دلالة على الخوف، ويقول في موضع آخر "إلى أن صار الهلال محاقاً" بعد أن بدأ بغرس أنيابه المتوحشة في قطعة الشمامة في دلالة على التحول الشكلي.  

في السفر، تبقى في محك "بين قيمك وقيم المكان وقيم الآخرين"، و"تهرب أبسط الأشياء لأتفه الأشياء"، في السفر، تكون لكلٍّ منا تجربته التي يتأثر بها ويحاول أن ينقلها إلى الآخرين بطريقته الخاصة، "فبعض اللحظات يجب أن تعاش بكل تفاصيلها ولا نتركها تمر، بعض اللحظات مواسم لن تتكرر، فقد لا تحدث مرة أخرى".

آخر كلمة، أتركها ليوسف إدريس، يقول: أن تؤلف كتاباً، أن يقتنيه غريبٌ في مدينة غريبة، أن يقرأه ليلاً، أن يختلج قلبه لسطرٍ يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية