العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
حائل.. عَبَق ماضي وزَهْو حاضر
الأحد 11 يونيو 2023

زيارة حائل هذا الاسبوع ناخت فيها بعض مشاهدات وتأملات لاقول؛ حائل عروس الشمال تتبختر كحورية غيداء، رقراقة كالماء، صبوحة كأهلها، سماحة ولطف وكرم حاتمي تشبع بها، اجا وسلمى في خلخالها ترنو باكسير الحياة لها، والنفود يُحاوطها ويُسليها. هي في عالية نجد وهضبتها حيث النسائم تداعبها.

ماض عابر لجغرافيتها تزامن مع الآشوريين والبابليين، نطقت بها آثار ونقوش لكتابات ثمودية على بعض أحجارها وصخورها. الرحالة زاروها في القديم والحديث شنفوا أذان الكُتب لها. عُرفت انها حصينة إذ تمنعت على ملوك الحيرة بالعراق والغساسنة بالشام. موقعها وسط الجزء الشمالي من المملكة العربية السعودية، حيث ضُمت لها عام 1340هـ (1921م).

لفظ حائل حديث الزمن قرابة القرن الحادي عشر هجري كما ذكر الشيخ حمد الجاسر في؛ معجم شمال المملكة، وكانت الشهرة إلى ما قبل قرنين من الزمان لمدينة قفار ذلك أن اسم حائل كان يطلق على الوادي التي تقع قفار على ضفته الغربية، وحائل كانت تُعرف بالقُرِّية. يسكن قفار قبيلة بني تميم. حائل فيها بقعاء والشنان والغزاله وغيرها وكلها أسماء لها دلالة. اما المواقع الأثرية في حائل كثيرة منها؛ الرسوم الصخرية في (جبل أم سنمان) بمدينة جبة، وموقع (جبلي راطا والمنجور) بمحافظة الحائط، وجبل ياطب وقلعة أعيرف، ومدينة فيد التاريخية.

الحديث عن حائل يطول تفصيله وتتعدد مناحيه، وكل ما فيها له قيمة واثر وخبر. واستسمح  القارئ في هذا المقال بطرح بعض عناوين كالتالي؛ شمر، والمشاهدة، قفار.

شمر 
ذكر القزويني الجغرافي العربي المُتوفى ببغداد عام 1283م في كتابه"اثار البلاد واخبار العباد" حيث قال عن شمر؛(هم قبيلة من العرب ذات بطون متعددة الوظائف تنسب إلى شمر ذي الجناح من قحطان، منهم في نجد ومنهم في العراق ومنهم في الموصل وسنجار).
وقال البسام المؤرخ المُتوفى بعنيزة عام 1930م في كتابه"تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق" عنها؛ (شمر من ذرية حاتم الطائي من سكان الجزيرة وهم أكرم العشائر، وأرفعهم عمادا وأكرمهم أجدادا وشيخهم يقال له الجرباء). ويعود نسبها إلى الطائي وهي احدى المرويات؛ وهو شمر بن عبد الله بن جذيمة بن زهير بن ثعلبة بن الغوث بن طيء. وهنالك مروية ثانية وهي أن شمر هي فروع تشامرت وسميت شمر، مثل الظفير التي هي عبارة عن فروع صغيرة من قبائل شتى اجتمعت و تعاهدت على الظفر وسموا الظفير. وللمزيد هنالك مصادر اخرى منها لابن الأثير الجزري المُتوفى بالموصل عام 1233م حيث ذكر في كتابه (اللباب في تهذيب الأنساب)؛ أن اسم شمر هو بطن من طي منهم القيس بن شمر وهو الذي ذكره امرؤ القيس فقال؛ وهل أنا لاقِ حي قيس بن شمّرا. بينما أكدت الرواية الثانية؛ وهي الأكثر تأكيدا ودقة، أن اسم شمر ما هو إلا لقب أطلق على الأحلاف أثناء الهجرة والاستقرار عندما تحالفوا وشمروا سواعدهم، وبنوا كيان هذه القبيلة الذي أطلق عليها اسم (شمر) فبعضها نسبه إلى قبيلة طي القحطانية القديمة، ويعد هذا القسم هو أصل شمر وبعضها نسبه إلى قبائل قحطانية أخرى، وبعضها إلى قبائل عدنانية والبعض إلى أشراف مكة (الهواشم) اشتهروا باسم شمر، كما اشتهرت جبال طي باسمهم. 

انضم تحت لواء راية الحلف ثلاثة فرق، كل فرقة تضم غالبية من طيء وأقلية متحالفة من خارجها، فالأولى؛ فرقة القيسيين من طيء وأحلافهم، وهذه لاحقا سميت عشيرة آل أسلم، والثانية؛ فرقة بني ثعل من طيء وأحلافهم، وقد سميت لاحقا عشيرة زوبع، وكانت الثالثة؛ فرقة بني الغوث من طيء وأحلافهم القحطانيين، ولاحقا سميت عشيرة عبدة أو شمر القحطانية، فهؤلاء هم مكون قبائل شمر وكانت عزوتهم غلبا.

المشاهدة
هم جماعات من منطقة النجف سموا بذلك نسبة إلى سوق المشهد الذي يقع بجوار قبر الصحابي الجليل علي بن أبي طالب في العراق، هاجروا إلى حائل في منتصف القرن الثالث عشر الهجري ومكثوا فيها أكثر من قرن من الزمان أثروا خلالها في مختلف النواحي الاجتماعية في المنطقة خصوصا التجارة والعمران والأدب، قبل أن يعود جزء منهم إلى النجف والجزء الآخر هاجر إلى المدينة المنورة واندمج في مجتمعها.
 
يقول الباحث التاريخي أحمد بن فهد العريفي مؤلف كتاب مقامات حائلية، أن سوق حائل الرئيسة في عهد الأمير عبدالله العلي الرشيد في منتصف القرن الثالث عشر الهجري كانت تقع في حارة لبدة وسط مدينة حائل، في موضع يعرف إلى عهدنا هذا عند سكان لبدة باسم (المسحب) ويقع في وسطها.
وأضاف أن (المسحب) انتقل إلى حي برزان بعد توسع العمران في مدينة حائل في عهد الأمير طلال العبدالله الرشيد، أمير حائل خلال الفترة من 1263 – 1283م، بعد أن قام ببعض الإصلاحات المهمة والمؤثرة في الحياة الاقتصادية في المدينة، ومنها بناء ما يقرب من 80 دكانا عرفت باسم (مخازن) وهي نواة سوق برزان المعروف حتى عصرنا الحاضر وبنيت الدكاكين في المنطقة الواقعة غرب قصر الحكم (برزان). وبحسب العريفي أن بداية قدوم المشاهدة كان عام 1263 بعد أن افتتح الأمير طلال أسواق حائل لاستقبال جماعة من التجار العراقيين من أهل المشهد(النجف) كانوا يعرفون في حائل باسم (المشاهدة) واحدهم مشهدي، ومنحهم بعض التسهيلات التي يحتاجونها لممارسة التجارة والعمل في حائل. وأن تلك التسهيلات أغرتهم، فاستبقوا القدوم إلى حائل، والإقامة فيها غرب سوق برزان سمي فيما بعد بسوق المشاهدة.

ومن أشهر العوائل المشهدية التي أقامت في حائل في تلك الفترة وما بعدها حتى زمن ارتحالهم من حائل هم الحبوبي والمرزة والمعلا والسنابلة والعبود وغيرهم. وبين العريفي أن أشهر رجالاتهم الذين أقاموا في حائل هو شاعر النجف محمد سعيد الحبوبي الذي هاجر مع أبيه وعمه إلى حائل سنة 1280م، وهو في الخامسة عشرة من عمره، وتتلمذ على يديه شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري. ومن أصحاب الحِرف الماهرين، كعبود شكر المشهدي الذي كان يستخدم (الجص) في رسم لوحات رائعة على جدران بعض مجالس (قهاوي) حائل كقهوة إبراهيم المشاري والدقلي في لبدة، وقهوة الموسى السيف في سرحة، وقال العريفي؛ وعبود هو عبدالعزيز بن يوسف بن محمد جواد بن حسين بن محمد بن شكر بن محمود البزرجي المولود في النجف سنة 1276م. أهل حائل تعاملوا مع تجار المشاهدة بالبيع والشراء، وشاركوهم في كتابة العقود، والتوقيع بالشهادة عليها، وقلما كان يحدث بينهم وبين سكان حائل ما يعكر صفو هذه العلاقة الاقتصادية البحتة التي تقوم أساساً على الصدق والأمانة والثقة المتبادلة دون النظر إلى جوانب الاختلاف.

أن من آثار المشاهدة في حائل قبورهم التي كانت في الناحية الشمالية الغربية من مقبرة (مغيضة)، وأضاف تتميز قبورهم عن سائر القبور في المقبرة بعظم شواهدها، وخلوها من الكتابة. 
إقامة المشاهدة في حائل امتدت من عهد طلال بن رشيد حتى ارتحالهم تماما إلى المدينة المنورة وإلى بلادهم العراق قبيل انضمام مدينة حائل إلى الدولة السعودية سنة 1340هـ، بعد أن باعوا ما كان لهم من أملاك في سوق المشاهدة على جماعة من سكان حائل بيعا لم يغبنوا فيه ولم يظلموا. 

محمد سعيد الحبوبي، هو  شاعر وثَّاب وغزل نسيب، ارتصفت اشعاره بمعاني فيها نبض حنين لمرباه وصباه الدفين في حائل مع والده التاجر وحي “المشاهدة” نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وقد درس في حوزات النجف، وفيها تعضد حبّ وطنه فشمر ودخل معركة الشعيبة ضد الانكليز حيث احداثها على تخوم مدينة الزبير سنة 1915م فكُتبت له المنية. 

الحبوبي تشاجن عنده نجد والعراق إذ قال؛
بلادك نجد والمحب عراقي 
فغير التمني لا يكون تلاقي 
ولو أن طيفاً زار طرفي ساهداً 
لكنت رجوت القرب بعد فراق 
بلى قد أرى تلك المغاني تعلة 
فاحسب أني زائر وملاقي 
أرى الدهر يأبى في تآلف شملنا 
كأني أعاديه فرام شقاقي 
هي الشمس في أفق السماء مقرها 
فكيف براق نحوها ببراق 
ألا هل أراني واجدًا ريح وصلهم 
وإن عدموني صحبتي ورفاقي 
وله في الغزل تشبيب قائلا؛ 
لُحْ كوكبًا وامشِ غُصنًا والتفِتْ ريما 
فإن عداكَ اسمها لم تعدك السيما 
وجه أغرّ وجيدٌ زانه جِيدُ 
وقامة ٌ تخجل الخطى تقويمًا 
يامن تجلّ عن التمثيل صورته 
أأنتَ مثَّلتَ روح الحسن تجسيما 
يا نازلي الرمل من نجد أحبكم 
وإن هجرتم ففيما هجركم فيما


قفار

تقع في سفح جبل اجا الشرقي في جنوب مدينة حائل وتكاد تلتحم بها الآن مع زيادة العمران ونمو البناء الحديث وقَفَار بلدة أثرية، بعيدة الذكر خرج منها أفواج بشرية غفيرة على مر العصور، وقفار هي ما كان يُعرف قديماً باسم (الهُييماء)، المورد القديم الذي حدث به يوم من أيام العرب، وذكره شعراء الجاهلية بذلك كقول علقمة الفحل؛ وأدركنهن دون (الهييماء) مقصراً ،، وكان شاؤاً بالغ الجهد باسطاً.

حائل حاضرها في ظل رؤية المملكة،  يزهو بتنمية وتطوير وعمران زاد في أناقتها، ارتسم في مداخلها وفسحة شوارعها. وفي الليل تزدان بانوراها مع وهج نجوم سمائها، هكذا هي عروس الشمال، كوجه صبوح المرائ تراكبت فيه عيون وأنف وثغر تجانسا كأن ريشة فنان خطها وكساها زينةً وحلُّي.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية