مؤامرة ومصلحة لفظان لهما دلالات في التفكير المتداول في عالمنا، بل هنالك تجذُّر عنهما في الافهام حين الحديث والتحليل فيما يصيب جغرافيتنا وهويتنا. ولكثرما تجاذب الناس الكلام حول نظرية المؤامرة بين مغالٍ فيها او ملغياً وجودها. وآخرون يقولون انه ليس هناك مؤامرة بل هي مصلحة تم التخطيط والعمل لتحقيقها، وبهذا تكون المؤامرة ما هي الا مصلحة. ورأي هؤلاء انهم وصفوا من تأمروا انما أرادو مصلحتهم، وحتى لو كان تآمر الا وخلفه مصلحه تتنوع مكتسباتها.
التقابل اللفظي
بين مؤامرة ومصلحة يدفع البحث لمعرفة الدلالة اللغوية للكلمتين وكذلك انعكاساتهما على واقع الأحداث وما أُستلهم من التاريخ عبورا بحاضرنا.
مؤامرة في اللغة؛ هي اسم وجمعها مؤامرات ومعناها مكيده وتُفعل كعمل معادي ازاء فرد او جماعة او حكم او بلد تُدبر بتخطيط خفي وسري لأغراض غير شرعية.
أما مصلحة فهي اسم وجمعها مصالح ومَصْلحات ومعناها منفعة وفائده او ما فيه صلاح حال او أمر، ولهذا تبين من دلالة اللغة ان ليس هناك تطابق لمعنى مؤامرة مع مصلحة. وعليه يكون استخدام المصلحة عند البعض كبديل لفظي للمؤامرة غير دقيق ولا يحيط دلالة وتأويل لغوي مناسب. وقد يبدوا عند البعض ان التفكير الذي يُغلّب استخدام اسم المصلحة هو للتخلص من آفة تعليق سبب التدهور والأزمات على شماعة التآمر وحدها، وقد يكون هذا هروب من المسؤولية في تحمل الانهزام.
أما مستخدمي اصطلاح المؤامرة فهم يعتقدون انها أزلية في البشر تدفعها غريزة الإبقاء على التفوق الحضاري والاقتصادي والجغرافي وامتداد الهيمنة الى أمد بعيد، بل قد يصاحب المتآمر احيانا رغبة العلو العرقي الاثني، والتأويل الديني والأيدلوجي. وبهذا التشبيه يكون المتآمر لا يعترف بندية سياسية له في امتلاك قرار الآخرين.
والمتأمل لطبيعة المتآمرين يرى ان كل هذه الدوافع المذكوره وغيرها هي من تُغذي طموح المتأمرين.
الاستخلاص في جدل اللفظين ان من اراد دقة التعبير المهني والمقصود اللغوي يتطلب منه الدراية والشمولية بمعرفة تمايز دلالات الكلام لان كلا اللفظين المصلحة والمؤامرة يصح استخدامها ضمن مفهوم منضبط دون تحميل مُبالغ فيه. وأرجح التأويل ان المؤامرة هي فعل يسبق تحقيق المصلحة وطبيعتها سلبية سواء في المنبت او الأثر، بينما المصلحة دافعها الغريزي هو تحقيق مكاسب وأحيانا مشاركة تلك المكاسب مع الغير دونما نوايا سيئة او هيمنة. ولهذا من يُراد له المؤامرة حيث تحصل في عالمنا اليوم فهو مسؤول عن دفعها، وكذلك مطلوب منه ان لا يفتح الثغور ليتسلل منها المتآمرين، ويبادر مسؤولية في التخطيط والتدبير لأسباب القوة حتى يُحصن هويته ومكتسباته وتراثه. ويكون حاله لمن أراد المصلحة معه هو التبادل والتشارك وهذا واقع يفعله البشر في مناحي الحياة.
اللاوعي عند الانسان
احيانا يتشرب لَبْس او مغالاة في فهم مصطلح المؤامرة وابعادها وواقعها قد تنشئه البيئة التي تربى بها وما تراكم عنده ثقافيا وتاريخيا. ولا غرو ان تجد في ترسبات اللاوعي ان المؤامرة تبدوا اكثر نظارة في الإدراك والتأويل لتخطف شمولية النظر عنده، سيما اذا صاحبها تجيش شيطنة تتجاوز احيانا زخم جاذبية التحليل المنطقي.
اهل التآمر
ومن لهم مصالح بطوية سيئة يهمه تهزيم الغير وخلخلة الثقة في إمكاناتهم، وبذر نبتة الحيرة في التفكير وزعزعه لحمة المجتمعات في خياراتها. تلك الحاله غاية مقصوده تتيح لأساليب المتربص اثر ونفوذ وبلوغ المراد انه اقوى ويملك زمام الامور. حتى يرسم المشهد بالانشغال به اي المتآمر دونما التركيز على البناء الداخلي للمجتمعات وتنميتها وتحصينها.
سنة التدافع الأزلي
لقيم الشر والخير تبقى في حيَاة البشر ولا تنتهي، وناموس الخواتيم هو مع الحق أينما توفر وتم السعي له.
الأكاذيب
في تغليف المؤامرات وكيدها، لها مخزونٌّ لا متناه، والخونة لأهل التآمر تراهم حينا يرتدون الشعارات مع افخر الثياب، ويذرعون ردهات اهل النفوذ، ومن يملكون الأموال ليخدموا اغراضهم، وهم يتكاثرون كالفُطْر، وهم يطفون على السطح فيما يقولون ويفعلون ويحبسون الحقيقة في الأعماق، ولكن ظلمهم لا يدوم بل يسقطون بخديعتهم سافلين.
اصحاب المؤامرة
والخونة معهم يخططوا مصالحهم بميكافيليه في تبرير غاياتهم بتنوع أساليب ومراهنة على الزمن حتى وان امتهنوا التدليس وذر الرماد في العيون لايهام من حولهم دونما حياء لصناعتهم الكذب. تركيبتهم النفسيه تدفعك للقول عنهم ؛
لا تلتمس تقويم ما لا يستقيم،
كحال الحجر الصلب الذي لا ينقطع
او العود الذي لا ينحني. بينما اهل الصدق لا يبالوا بل يقولوا؛
وما من كربة إلا ستُجلیٰ
كما يُجلی عن الأفُقِ الغبارُ
ويعقُبُ عسرَهَا يُسرٌ لطيفٌ
ويُشرق من هزيمتها انتصارُ
ختاما
لا تكن أرضاً للمتآمرين والخونة يداس عليها، بل كُـن سماء يحلق الجميع الوصول إليها. ومن خادع وتآمر مثل ذئب يبكي تحت اقدام الراعي. والواعي يفخر بأمته وبلده ومكتسباته، ويحصن نفسه تجاه كل كيد وتسلط إعلامي خصوصا فيما يدور حولنا، ويصدح بالدعاء اللهم احفظنا وأعلي كلمة الصادقين الخيرين في كل مكان.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |