نَجْد مثابة الهوى وملحمة الشعراء، لها سحر وإلهام ومنزع للأفئدة. ترقرق هذا في طَّلليات شعراءها هاجت بها قرائحهم. غزل وفخر وحماسة وحِكم، والمرأة روح تسري في جسد القصيدة، هذا ما حملته لنا المعلقات والقصائد. عنترة بن شداد، وقيس بن الملوح "مجنون ليلى"، جميل بن معمر "جميل بثنية" غيض من فيض. اخبرنا ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان واصفا شعراء نجد؛ أنه لم يذكر الشعراء موضعا أكثر مما ذكروا نجدا، ولم يتشوقوا لأي أرض، كما تشوقوا لأرض نجد.
ربيع نجد
له زهو روائح ونسائم صبا حتى يصف البُحْتُريّ فيها سحابة حينما أُمطر في حمص قائلا؛
جاءَت بِها ريحُ الصَبا مِن نَجدِ
فَانتَثَرَت مِثلَ انتِثارِ العِقدِ
فَراحَتِ الأَرضُ بِعَيشٍ رَغَدِ
مِن وَشيِ أَنوارِ الرُبى في بُردِ
كَأَنَّما غُدرانُها في الوَهدِ
يَلعَبنَ مِن حَبابِها بِالنَردِ
نجد موطن
لشعراء المعلقات، تخلدت قصائدهم لحاضرنا وهي مما قبل الإسلام، فامريء القيس اسرته توطنت الفاو بوادي الدواسر وطرفة بن العبد البكري في يبرين اقليم البحرين قديما، وحكيم الشعراء زهير بن ابي سلمى اقام بالحاجز في نجد ولبيد بن ربيعة العامري من عالية نجد الجنوبية، وعنتره بن شداد العبسي من عيون الجواء بالقصيم، وعمر بن كلثوم عاش في حفر العتش في مدينة رماح، والحارث بن حلزه اليشكري من ملهم التابعة لحريملاء، وصناجة العرب أعشى قيس من منفوحه في الرياض، والنابغة الذبياني من عقلة الصقور التابعة للقصيم، وعبيد بن الأبرص الأسدي من القصيم وهنالك غيرهم امثال علقمة الفحل من ثرمداء، والمتلمس الضبعي من القرينه بالقرب من حريملاء، واثيثيه منازل جرير ودُفنت زوجته بجلاجل، والحارث بن عباد فارس حرب البسوس من الضبيعه في الخرج، والفرزدق من حفر الباطن، وابن دمينه عبدالله الأكلبي من تثليث التابعة لعسير وقال أشهر قصيدة بنجد منها قوله؛
ألا ياصبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجدا على وجد
رعى الله من نجد أناس أحبهم
فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودي
والحطيئة من الزلفي ثم بنبان بجوار الزبرقان بن بدر ثم الوسيع بجانب بنو أنف الناقه، والشاعر الراعي النميري من ضرماء، وذو الرمة عاش بالدهناء ، ومالك بن الريب بين القصيم واليمامه ويحيى بن طالب من البره تقع في الخرج ومازالت آثار قصره بها.
نَجْد شامة الجزيرة العربية
ومحتد العرب العدنانية وموطن لقبائل اخرى تعددت انسابهم قدموا اليها وعمروها، فإذا أبعدوا النجعة عنها لا يزالون في شوق وحنين الى أن يرجعوا إليها. كثير من ممالك وقبائل مثل كنده وتنوخ وطسم وجديس وبني حنيفه وبني زيد وبني تميم وهوازن وغطفان وطيء وبنو عامر وغيرهم، لهم تراثهم في نجد.
نجد احتفظت بعربيتها
وهي الأقرب الى لغة قريش، ولم يدخلها اللحن لان أهلها مجاورون من جميع جهاتهم لأقوام عرب ولم يحكمهم حاكم اجنبي فتختلط لغتهم بلغة الأعاجم.
شعراء النبط
في نجد لهم صدى موروث تبلل ماء شعرهم بطينة عيون الشعر، وهو يتطابق في موازين العروض حتى وإن لم يعرفوها ، واكثر الشعراء فيها يلتزمون قافيتين قافية لروي الشطر الاول واُخرى لروي الشطر الثاني.
ناخذ بعض ابيات لامير شعراء النبط في الجزيرة العربية محمد بن حمد بن لعبون المولود في حرمة والمُتوفى عام 1247هـ ما قاله في حنينه لنجد وثادق شوقا؛
فَيا نَادِبِي سِر فِي قرَاها وَمَسْنَدِي
إلى حَيْ بَينَ أطلاَلْ نَجْدٍ جثُومَهَا
إلىَ سِرْتها مِنْ دَار ميّ وَغَربتْ
ونَابَاكْ مِنْ طُفَّاحْ نَجْدٍ خشُومهَا
أوَّلْ موارِي دَارهُمْ لِكْ جلاَلَهْ
حَاشَا الإلهْ وَبَاقِي الدَّارْ زُومهَا
علمي بهم قطن على جوْ ثَادِقْ
سِقاهَا مِرنَّات الْغَوادِي ركُومهَا
مَرَابيع لَذَّاتِي وَغَايَاتْ مَطْلبِي
وَمَخْصُوصْ رَاحاتِي بهَا في عمُومهَا
الشريف الرضي
المُتوفى في بغداد عام 1016م قال في نجد؛
يا طيبَ نَجدٍ وَحُسنَ ساكِنِهِ
لَو أَنَّهُم أَنجَزوا الَّذي وَعَدوا
قالوا وَقَد قُرِّبَت رَكائِبُنا
وَالقَلبُ يَظما بِهِم وَلا يَرِدُ
أَتارِكٌ أَرضَنا فَقُلتُ لَهُم
أَنجَدَ قَلبي وَأَعرَقَ الجَسَدُ
هكذا الشعر
كان مشهدا في تصوير نَجْد للإنسان والحُب، وألم وعشق، وحوادث ترسخت في الوجدان، وتدفقت في بحور القصائد، فانداحت امواجها ألحانا وغناء.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |