العدد 5461
الأربعاء 27 سبتمبر 2023
احمد عبدالله الحسين
التاريخ .. وعاء الزمان
الأحد 10 سبتمبر 2023

التاريخ هو وعاء الزمان وحكاية البشر المدفونة منذ نشأتهم. التاريخ عند دارسيه ليس أكوام من الورق الميت يعيش على الأرفف، بل هو ما سطرته عقول كثير منهم كانوا عظماء دوَّنوا فيه ملاحم واحداث واخبار الأمم.

التَّأْريخُ معناه
تَعْرِيفُ الْوَقْتِ، والتَّوْريخُ مِثْلُهُ. ولفظة التاريخ أصيلة في اللغة العربية، وليس منقولا إليها من لغات أخرى، والأصمعي بيَّن ذلك في لغة تميم وقيس، بقوله بنو تميم يقولون"ورَّخت الكتاب توريخا"، وقيسٌ تقول؛ "أرَّخته تأريخًا"، وقال المؤرخ شمس الدين السخاوي؛"إنَّه فنٌّ يُبحث فيه عن وقائع الزمان من حيث التعيين والتوقيف؛ بل عمَّا كانَ في العالم"، وابن خلدون يذكر هو ؛"خبرٌ عن الاجتماع الإنسانيِّ الذي هو عُمْران العالم، وما يَعرِض لذلك العمرانِ من الأحوال؛ مثل التوحُّش والتآنس، والعصبيَّات، وأصناف التقلُّبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من المُلك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعايش، والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث من ذلك العمران من الأحوال"، وأضاف ايضا أنه "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيَّام والدول، والسوابق من القرون الأُوَل، تنمو فيها الأقوال، وتُضرب فيها الأمثال، وتؤدِّي إلينا شأن الخليقة كيف تقلَّبت بها الأحوال، واتَّسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمَّروا في الأرض حتَّى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيَّات الوقائع وأسبابها عميق"، وزاد ايضا ان فهم التاريخ ضرورة حضاريَّة لفهم الإنسان من خلال تاريخه، وأداة للكشف عن صراعات المجتمعات البشريَّة. 

يتّضح مما سبق أن التاريخ علمٌ يتعلَّق ببيئة المكان والزمان بما فيه من وقائعَ وأحداث، وما يكون لها من أثرٍ في حياة الناس التي هي مسرح له.

المؤرخ
هو مرآة يقدم ألوانا من الأحداث، وفنونا من الأفكار والأعمال والآثار التي تمثل ثمرة الخلق كله عبر الزمن. والمؤرخ لا بد له من عقل واع يميز الحوادث ويربطها في اتساق وتوافق، دون تحيز وميل أو إعجاب وكراهية لعصر خاص أو شخص بعينه.

مدرسة التاريخ في الاسلام 
بدأت بالمدينة المنورة باثنين من الفقهاء المحدثين هما عروة بن الزبير وابن شهاب الزهري في أخذ الروايات من منابعها. فكان عروة يعنى بالوثائق المكتوبة إلى جانب الروايات الشفهية. اما الزهري فقد وصفه المؤرخ محمد بن جرير الطبري كان مقدما في العلم بمغازي الرسول وأخبار قريش والأنصار. ولهذا يصنف عروة بن الزبير انه رائد علم التاريخ، والزهري أسس المدرسة التاريخية في المدينة. وهنالك شخصية وهب بن منبه صاحب القصص التاريخي، ويُعد حقله وأثره في نطاق القصص والإسرائيليات التي احاطت ببدء الخليقه والامم القديمة، حيث اشتهر بإطلاعه على كتب الأولين ومن الروايات الشفوية والعهد القديم (اسفار التوراة) والتلمود وكُتب النصارى لمعرفته بالعبرية وربما السريانية. وقد أدخل عنصر القصة إلى حقل التاريخ حيث تقرائها عند ابن إسحاق واليعقوبي وابن قتيبة والطبري والمسعودي وكذلك قصص الأنبياء في كتب الكسائي والثعالبي. ونهج العلماء حيال الاسرائليات أنها لا تُصدق او تُكذب وتؤخذ للاستئناس وليست حجة. 

المؤرخون 
جهودهم تتابعت، واساليبهم  تطورت، وتوثيقهم امتد، فنجد ابو الحسن المدائني البصري المولد الذي عاش اوائل العصر العباسي يرصد تاريخ العرب مبتدئا من الجاهلية ومستمرا حتى مطلع القرن الثالث الهجري مهتما بعُنصُر الزَّمن، والمسافات، وأوائلِ الأَشياءِ، وتحديدِ الأماكنِ الجغرافيةِ، وكذا استشهدَ بالقُرآنِ، والشعرِ، ومعاهدات الصلحِ لإثباتِ خبر أو نفيِه. وكذلك محاولة ربط تاريخ المسلمين بما يحيط بهم من الأمم فشكل مادة خصبة للمؤرخين اللاحقين كامثال احمد بن يحيى البلاذري، وإبن قتيبة الدِّينوري، ومحمد بن جرير الطبري، فكان هؤلاء ومن تبعهم عبر الزمن طوروا علم التاريخ عند العرب بما في ذلك من أراء وأفكار.

التعلَّم من التاريخ  
سمة نضج ودراية حينما تؤخذ  العِبر والدروس، ومنها؛
• اختصار الزمن فلا تُعاد التجارب وتُكرر الأخطاء، ومن لا يستفيد من التاريخ مثل من يقول؛    
"نتعلم من التاريخ ان احدا لم يتعلم من التاريخ"  
• الماضوية في التاريخ هي للعبرة وأخذ الدرس، ولا تُحمل على الكتف للتحدث معها ومصاحبتها او استدعائها لإعادة صياغة النهوض نحو المستقبل. ولا شك ان حنين الماضوية له اعتبار وافتخار، ولكن لكل زمن سياقاته الخاصة وأدواته وإبداعاته، والنهوض والتقدم لا ياتي إلا بالمثابرة. 
• المغلوب مولع بمحاكاة الغالب لأن الهزيمة تُوحي إليه أن مشابهة الغالب هي قوة تُدفع بها مهانة الضعف من تلك الهزيمة.
• الذي يرتضي لنفسه أن يكون شاة تأكله الذئاب.  
• العدل إذا دام عمّر، والظلم إذا دام دمّر.
• الأمة إذا دخلت في سنّ اليأس لا تعود لشبابها أبدا رغم محاولاتها التغيير وذلك لفوات الأوان.  
• الرخاء والازدهار والأمن يساهم في بناء لحمه الشعوب وتجنب الحروب والخوف والفقر. 
• وأيضا أن من كبر مقامه وجاهه وكيانه تكبر معه حاشيته وبطانته، ومع استمرار نمو الحاشية واستفحالها قد تحبس صاحب الجاه في خلخالها، فيأتي حينها الخلل والوجع فينطبق عليها المثل البغدادي؛ جاءتنا الحمّى من رجلينا أي من اعضاء الجسم لا من خارجه. ويبقى التعلَّم من التاريخ مدرسة لها تلاميذها وبمهارتهم يستخلصوا النافع لأمتهم؛ بعيدا عن غلو يتخلل مرويات كتبها منتصر او مغلوب، او أصحاب ميل فيه استعداء وقد يكون استرضاء. هؤلاء التلاميذ المنتفعون لهم تيقظ لهوية الانتماء، وإدراك لشعوبية تتسلق افتخارا تحيكه ثعالبية دهاتهم. 

اخيرا  
التاريخ ساكن في توابيت محنطة إذا رُفع غطاءها دونما هدف او نفع تلسع ثعابينها.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
التعليقات

2023 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية