عنوان يأخذنا الى إطلالة مختصره، بواكير حكايتها جذبتها جغرافية العرب الواقعة بين طرق الشرق والغرب حيث التواصل بين الأمم. منذ القرن السابع ميلادي، العلاقة اكتسبت رصيدا تاريخيا نواتها الأولى اكتشافات، وقوافل رحاله غربيون، ودخول الأندلس الذي طاله تأثر وتأثير. كذلك فرنسا عرفت المسلمين عبر عبدالرحمن الغافقي وجيشه الذي تجاوز جبال البرانس ومدن ناربون وكاراكون ونيم، وليون، وماكون، وأوتن، وغاليسيا، وأعالي الرون، واللوار وأتون، وأفينيون، وبوردو، وشمالا حتى مدينة تور. ثم انتهى مطاف الغافقي في موقعة بواتيه سنة 732م،
اما إيطاليا تجذر فيها التأثير العربي الاسلامي في صقلية حينما دخلها وحكمها الاغالبة التميمون، وكذلك التبادل التجاري مع البندقية. وسجل التاريخ في العصر العباسي تولّد تواصل بين هارون الرشيد والإمبراطور شارلمان، حيث اهدى هارون الامبراطور ساعة مائية كانت الاضخم والأندر حينها.
هكذا كانت الامور حتى أطلت ظلامية الحروب الصليبية (ق11-13) ميلادي. بعدها بزمن كان الاستعمار الغربي متعدد الاطراف، بلغ مداه في القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين. وكان لبريطانيا نصيب الأسد.
التاريخ حدثنا
كذلك عن التاثير العربي الاسلامي الذي صاحب سقوط بيزنطة إذ هاجر العلماء فيها الى مدن اوروبية، يحملون معهم كنوز معرفية من الحضارات الإغريقية والرومانية والإسلامية وبعضهم لديه ثروة مالية، اسهموا في تحفيز النهضة الأوروبية حيث كانوا قناة لترجمة العلوم العربية المنقولة عن العلوم اليونانية، فأسسوا مدارس ومعاهد لنقل الكُتب والآثار إلى اللاتينية، ومنها كتاب ابن سينا "القانون في الطب". الجدير بالذكر الغرب حتى القرن السادس عشر ميلادي أخذ من العرب أكثر مما أعطوه.
المشهد اللاحق
اكتنف بعضه تبلور النزعة العنصرية ضد العرب ليقول احدهم مثل ماكولي الانكليزي المُتوفى عام 1859م "أن رفا واحدا من مكتبة أوروبية جيدة، يعادل كل التراث الوطني للهند والجزيرة العربية". وكذلك أُستخدم مصطلح بدائي وُصِمت به شعوب العالم الملون.
السيناتور فولبرايت الامريكي المُتوفي عام 1995م قال جملته المشهورة التالية عن العرب
"The Arabs are Gazelles in aworld of wolves"
العرب غزلان في عالم من الذئاب؛ اي ان العالم الغربي فيه ذئاب تحاوط العرب وهم له فريسة كالغزلان. توصيف سواء كان مبالغا فيه او تجاوز موضوعية تحليل، إلا أن مُمعن التاريخ والاحداث يرى استهداف الغرب للعرب حينما يُستغل ضعفهم لكسب الأكثر. عالم ذئاب سعى لمصالحه لا يبالي بإلحاق ضرر للعرب. إلا أن هذا لا يدوم بل يوقفه ناموس التغير والتطور والنمو حينما تُحفزه قيادات مُحنكة تفهم الموازين وتبادل المصالح وندية التنافس. الغرب حينها في ظل هذا التغير لا خيار له إلا أن يُدرك معطيات التحولات ونهضة الشعوب، فيبادروا لمصالحهم وضمان امتدادهم الاقتصادي، حتى ياخذوا نصيبهم في عالم تطفو فيه منافسات اقليمية ودولية.
الحاضر أعمى ما لم يُعرف الماضي
حاجة الفهم لتنوير الحاضر وأخذ دروس الماضي مطلوب فيها؛ سعي واستشراف الافضل، وابتعاد عن جلد الذات وتقليل الشأن، بل التعرف على القدرات ومقومات النهضة. كلُّ هذا يتطلب جهد واجتهاد وصبر ودهاء تخطيط، وبراغماتيه وموازنات، ومشاطرة مصالح مع الغير لكسب الافضل او لدفع الاسوء. مثل هذا التوجه لا ظلم فيه للنفس، يتماشى مع تحمل المسؤولية ومحتومية القدر وشرائط النهضة، والبُعد عن تعليق الهَنَات على مظلة المؤامرات لتبرير قلة الحيلة. معلوم أن فكرة المؤامرة تبلغ اثرها اذا مكنها الوعي. لا نرفع قدر الذئاب التي تبحث عن فرائسها لان هذا طبع غريزي وازلي فيها. إلا ان الذئاب معروف عنها انها تحذر الراعي الحذق، وتهاب الرعية التي لا تفترق.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |