لامية ابن الوردي هي سبعين بيتاً من الشعر، فيها آداب زينة سلوك وفطرة سوية. قائلها عمر بن مظفر بن الوردي ونسبه لقبيلة كندة الكهلانية عاش في القرن الثامن الهجري. وهو فقية وأديب وقاضٍ ومُجيد نظم ونثر، له عديد مصنفات منها؛ "تتمة المختصر في أخبار البشر" وهو تلخيص مع اضافات لكتاب المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء، وكذلك كتاب"خريدة العجائب وفريدة الغرائب" تناول فيه الجغرافية وفصول عن المعادن والنبات والحيوان، كتاب "تاريخ ابن الوردي" وهو بمثابة اختصار لتاريخ ابن كثير، وله في الفقه كتاب المسائل المذهبية، وكتب في اللغة والنحو مثل؛ شرح ألفية بن مالك في كتاب "تحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة" وهو شرح لألفية ابن مالك في علمي النحو والصرف. ولابن الوردي خمس مقامات يذكر فيها ما يشغل الناس في عصره ودعوته للاصلاح والتوجيه اشهرها؛ المقامة الصوفية يحكي فيها ابن الوردي قصة إنسان يُسافر إلى القدس، ليبحث عن حقيقة معينة، والمقامة الأنطاكية التي تبدأ المقامة بالرحيل إلى أنطاكيا، وإعجابه بها وبمناظرها الجميلة، حتى يصل إلى واليها فيجده حزينا، لكثرة نزوح الأعاجم لها على مُكونها العربي، وتغيُّر مراسمها وطباع العيش فيها، والمقامة الدمشقية المسماة صفوة الرحيق في وصف الحريق أي حريق دمشق.
وأما القصيدة اللامية المشتهرة بلامية ابن الوردي فهي تُعدّ من أروع قصائده، وهذه بعض ابيات مختارة من اللامية؛
اطْـرَحِ الـدُّنيا فَمـنْ عَـادَاتهِا
تَخفِـضُ العاليْ وتُعلـي مَـنْ سَفَـلْ
عَيشةُ الـرَّاغـبِ فـي تحَصِيلِها
عَيشَـةُ الجْـاهـلِ فِيهْـا أَوْ أقْـلْ
كَـمْ جَهـولٍ بَاتَ فَيها مُكثـراً
وَعَليـمٍ بَـاتَ مِنهـا فـي عِلَـلْ
كَـمْ شُجاعٍ لم يَنـلْ فيها المُـنى
وَجَبـانٍ نَـالَ غـايـاتِ الأَمْـلْ
فَاتـركِ الحْيلَةَ فِيهَا وَاتَّكِـلْ
إِنمـا الحْيلَـةُ فـي تَـركِ الحِيَـلْ
لاَ تَقُـلْ أَصْلـي وَفَصلي أَبـداً
إِنما أصْـلُ الفَـتى مَـا قَـدْ حَصَـلْ
قَـدْ يسُـودُ المرءُ مِنْ دُونِ أبٍ
وَبِحُسـنِ السَّبْـكِ قـدْ يُنفَى الدَّغَلْ
إِنما الْـوردُ مِـنَ الشَّـوكِ وَمَا
يَنبُـتُ النَّـرجِـسُ إِلاَ مِـنْ بَصَـلْ
دلالة وشرح لبعض أبيات اللامية؛
اطْـرَحِ الـدُّنيا فَمـنْ عَـادَاتهِا
تَخفِـضُ العاليْ وتُعلـي مَـنْ سَفَـلْ
تسمى الدنيا دنيا لدناءتها، وقيل؛ تسمى دنيا لأن ما بعدها هو البعث والنشور، وتسمى الآخرة التي لا تعترف بنسب ولا بحسب، ولا بجاه، وإنما تأخذ الإنسان على غرة، وفي كلام العرب ينسب إلى الدنيا أنها فعلت وفعلت ونحو ذلك، وهذا كله من أقدار الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى لا يعطي الدنيا من أحب فحسب، ولكن يعطيها من أحب ومن لم يحب، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام؛"لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء"، فالدنيا لا تعادل عند الله سبحانه وتعالى جناح بعوضة، ولذلك يعطي منها الكافر والمؤمن، فيقسم لهذا ويقسم لهذا، ويعطي هذا خيراً وهذا خيراً، أما الآخرة فلا يعطي الله عز وجل إلا من أحبه، وهي العاقبة.
عَيشةُ الـرَّاغـبِ فـي تحَصِيلِها
عَيشَـةُ الجْـاهـلِ فِيهْـا أَوْ أقْـلْ
معناه أن الإنسان إن اجتهد في هذه الدنيا أو سعى في كسبها فلن يعدو رزقه، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عباس"اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك". فما جاءك من رزق اعلم أنه رزقك، وما أخطأك من رزق وقد سعيت إليه وطلبته، وذهب إلى غيرك شراباً سائغاً ولم يسع إليه فاعلم أنه ليس لك، وأن الله عز وجل قسمه لغيرك.
كَـمْ جَهـولٍ بَاتَ فَيها مُكثـراً
وَعَليـمٍ بَـاتَ مِنهـا فـي عِلَـلْ
أي كم من رجل جهيل مجهول، وجاهل في طرق التكسب والسعي في الدنيا ونحو ذلك، وفيه من السذاجة والبساطة، إلا أن الله عز وجل رزقه من الثراء والمال والنعيم في هذه الدنيا، وهو لا يحسن جمع مال، بل لا يحسن رعاية أهله، وكم من الناس من أذكياء الدنيا ما رزقهم الله سبحانه وتعالى كما رزق ذلك، ولذلك لا ينبغي للإنسان أن يعتدي وأن ينظر لماذا رزق الله عز وجل فلاناً ولم يرزقني كما رزق بعض البسطاء.
كَـمْ شُجاعٍ لم يَنـلْ فيها المُـنى
وَجَبـانٍ نَـالَ غـايـاتِ الأَمْـلْ
والمعنى أن الشجاعة لا تعني أن الإنسان يحصل مراده بقوته وسطوته فيغلب غيره، فكم من جبان غلب القوي بسبب التوفيق، وكم من جبان قتل شجاعاً، فليست الشجاعة هي كل شيء.
إِنما الْـوردُ مِـنَ الشَّـوكِ وَمَا
يَنبُـتُ النَّـرجِـسُ إِلاَ مِـنْ بَصَـلْ
البيت هذا من الأمثلة التي يريد بها الشاعر أن يقرب بها المعنى، فقد يخرج من بعض الأشواك ورد وزهور، وقد يخرج من البصل وهو سيئ الرائحة خبيثها كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام"من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين"، فيخرج منها ورد طيب الرائحة، ويسمى النرجس.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |