العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
خربشة ومغزى.. "التراث.. تدب فيه مُحركات تُسافر إلينا"
الأحد 28 يناير 2024

التراث هو ما حملته لنا الحياة من الماضي حتى بقى حيا لم يمت، تدب فيه مُحركات طالما صارعت جمود الأوراق والمطويات في الأرفف والدراسات. والتراث هو كذلك ما نعرفه وتوارثناه من مُثل وقيم ومضامين وأعمال، نشأت في الماضي القديم وشقت طريقها وسافرت إلينا عبر القرون، لتكون خلفيتنا وهويتنا ممتدة للحاضر ولا تفارق بصمتها المستقبل.

التراث البشري يشمل جميع الأمم وياخذ بُعد انساني، تترابط فية المشتركات في القيم الموروثة لديانات وثقافات وعادات وتقاليد، نلتقي معها حينما يُنادى بكليات مقاصد كما فصلها موروثنا، وهي حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال. 

الحكماء والعقلاء يتفهموا التراث ويأخذوا باحسنه، ويتأملوا ما فيه لصناعة الدورس والعبر حتى لا تتكرر الجهود والأخطاء.  

أُمتُنا لها وفرة عطاء وأمتداد حضاري عبر القرون، أثراها سلالات مبدعين من فلاسفة وحكماء ومفسرين ومحدثين وفقهاء ومؤرخين ولغويين، ومنهم كذلك أرباب صنائع نهضوا ببواكير العلوم في الطبيعيات والرياضيات والكيمياء والطب والفلكيات، وهنالك من ترك أثر في الشعر والنثر والغزل والحب والعشق والتصوف.
 
موروث أمتنا لا ينتاهى الحديث عنه سواء في تصانيفه وإبداعاته او هَنَاته والآلآمه، كلُّ هذا له امتداده الزماني والمكاني اشترك فيه عرب واعاجم غير عرب، وشاركت فيه طوائف واصحاب مِلل وأهواء خاصه وباطنيات، كلهم ضمتهم جغرافية واسعه وحكاياتهم تماسّت مع تكوين الأفكار والمنطلقات.  

التراث فيه الصحيح وما دونه، واخاليط اجتهادات تصيب وتخطئ وإشراقات ابداع، وجهود صاحبتها إخفاقات 
بل وشطحات بعض طالبي الوجد والهيام في الخلوات، فارقت ما يستحسنه العقل وسليم الذوقيات.     

في غمرة هذا المحيط العميق لمن يفهم التراث، يدرك ان نضج التناول والتعاطي معه يتطلب التأني في التلقي والتبني او النقد والتجني، فلا يفعل راصد التراث المعيب في التصدي للتراث وهو لم يتبلل من شطآنه تعلما ودراية، خصوصا إذا اقتحم تجسرا وتذاكيا قاصدا عمق محيط التراث وهو للتو لم يتعرف على سطحه وغوره.  

ظاهرة اقتناص وتصيد ما في التراث لشواذ اقوال او غريب تأويل لا يستحسنه عقل، هو آفة مذمومه واندفاعه غرائزية، سيما اذا دفعها ولع لتحقيق سبق وإثارة للناس، ليسمع رنين التطاول والأصداء لتقزيم التراث. 

من فعل ذلك دونما تخصص او تأدب في النقد يثير دهشة وهشاشة جدل، لا ترتقى لعلمية او موضوعية في التحليل والنقد، بل لا تخدم هدف ينفع انما هي تشوش وتحلل وتهكم دونما تأصيلاً.

تراثنا فية احترام وقداسة للانبياء وما نزل عليهم من وحي في كتبهم، وما تأتى كذلك من تعاليمهم التي بعضها ضبطت فيه أسانيد موصولة، خضعت لموازين الجرح والتعديل او التوثيق والتضعيف صانتها من تحريفات البشر.

التراث يُحترم فيه كل صاحب عطاء، ولا يقدس او يرفع من مكانته البشرية الخطاءة، والتأدب مع من ساهم في التراث أن نتحين معه الظن الحسن، حتى لتسع الناقد له مقولة "علّ سقطاته تغمر في بحر حُسن اجتهاده وكثير نتاجه". 

المتأمل للتراث والذي ياخذ منه ما يفيد ويستبصر، يعلم ان الزمان انزل ستاره على العصور التي خلت، وأمسى ما فيه من افعال وأقوال في ذمة الله، وما كان فيه من مناقب ومثالب خطتها ريشة الزمان على صفحات التاريخ ذهبت، وبَقى ما دُوَّن منها او توارث أثره ونفع، فالحذر من المسطحين المتذاكين في نقد التراث وهم للأمانة العلمية بعيدين وغرائزيا هم حانقين.

ختاما
تبقى صنائع الحاضر واستشراف المستقبل هو ما تحوم حوله سُبل النهضة، والتموضع العالمي بين الأمم،
وزخوم التراث في فسحته الواسعه تندب التلاقي بين الماضي والحاضر.  
 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .