العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
خربشة ومغزى.. "الإسكندر الأكبر.. أرسطو مُهذَّبه.. أيقونة الحضارة الإغريقية"
الأحد 12 مايو 2024

الإسكندر خلف أبيه فيليب بعد مقتله عام 336 ق.م الذي أحل السلام في المدن اليونانية تحت الهيمنة المقدونية، فتقلد كوريث الحكم على عرش مقدونيا وهو في العشرين من عمره، وكان ذو شخصية فذة. كان الفيلسوف الكبير أرسطو تلميذ أفلاطون مُهذَّبه. وكما إنه مثقفاً وشاعراً كان أيضا فارساً قبل أن يحكم. نجح في ترويض جواد جامح عنده لم يقو أحد على ركوبه، وحمله هذا الجواد بوسيفال الشهير حتى الهند، وكان رفيقه طيلة خمسة عشر سنة مدة حكمه.                                                                

كان الإسكندر ذروة "الهلينية"وهي؛ الحقبة المتأخرة أول القرن الرابع قبل الميلاد من أواخر الحضارة الاغريقية وخلاصتها. الإسكندر وجد نفسه في أربعة نماذج تُحركه النبيذ، وقوة هرقل الإمبراطور البيزنطي، وشجاعة أخيل بطل حرب طروادة، سيروس مؤسس الإمبراطورية الفارسية. أمَنَ أن أحسن طريقة لتوحيد المتنافسين بعد وفاة أبيه أن تجد لهم عدوا مشتركاً. فقد خطرت للإسكندر فكرة إرسال القوات اليونانية والجيش المقدوني ضد الإمبراطورية الفارسية الأخمينية للانتقام لغزواتهم وإحراقهم لاثينا فيما مضى.
هزم الإسكندر جيش المرزبان(دون الملك في المرتبة)، وسحق بعدها الملك داريوس الثالث الفارسي عام 332 ق.م ثم هبط سوريا. كان الإسكندر يريد فصل فارس نهائيا عن البحر المتوسط وقد تحقق له ذلك لم يعودوا الفرس إليه طيلة الأزمنة الغابرة حتى اخترقوها أيامنا هذه.                                                                                                    

أستولى الإسكندر على صور عاصمة الفينيقيين مسيطراً بها على المنافسة التجارية، ثم دخل مصر التي أُستقبل بها بصفته محرراً، إذ أن البلد يحن إلى استقلاله الذي قضى عليه الفرس في غرب الدلتا. أسس الإسكندر المدينة الشهيرة التي لازالت تحمل أسمه الإسكندرية، واعتمر تاج الفراعنة، وذهب برحلة حج حتى أقاصي ليبيا إلى سيوه يزور معبد الإله آمون الذي يزعم أنه مثله.
                                                                                      كانت سياسة الإسكندر ثابتة لديه، وهي أن يستحوذ على آلهة وتيجان البلاد التي يخضعها. الجدير بالذكر عام 332 ق.م وصل إلى جلجامش غير بعيد من بغداد الحالية، وقضى على ما بقي من جيش داريوس الثالث ملك الفرس الذي لاذ بالفرار. بادر أحد أتباع الملك مرزبي طامع ليعطي صورة جيدة عن نفسه عند الإسكندر، إلى اغتيال ملكه داريوس لكن الإسكندر أعدم المرزبي، ونظم للملك جنازة مهيبة وكان الإسكندر يعتبر نفسه خليفته. وهنا انتهت حملته الأولية لفارس قرب بحر قزوين.                                                                  

بعدها ذهب بجيشه إلى آسيا الوسطى حتى أقاصي الإمبراطورية الفارسية مؤسساً في طريقه مدناً لا يزال بعضها يحمل أسمه على غرار قندهار (اسكندهار الإسكندرية بالفارسية) العاصمة السابقة لطالبان، وكان قبلها أسس إسكندرية آسيا التي سميت(طشقند) اليوم. لم يتوقف الإسكندر لهذا الحد إذ تنامى طموحه مع نشوة انتصاراته إلى توسيع أهداف حملته لإخضاع العالم. والمذكور تاريخياً أن جيش الإسكندر كان ديمقراطيا حيث يرفض الجنود أن ينحنوا أمام الملك على الطريقة الشرقية، وكان جيشه يضم في صفوفه المئات من التقنيين والمهندسين.                                

تجاوز الإسكندر حدود فارس، ودخل إلى شبه القارة الهندية حيث هزم الملك بورس رغم امتلاك هذا الأخير لفيلة الحرب. تالياً في عام 327 ق.م شن غالبية جيش الإسكندر إضرابا حيث مر عليهم تسعة سنوات من مغادرتهم بحر إيجة بعيد عن موطنهم اليونان، وأنهم حققوا ما يكفيهم من غنائم. وهذا التمرد أغضب الإسكندر لاضطرار التوقف إلى ما وراء الهند والذهاب إلى الصين. فاستجاب للأمر الواقع فوجه الجيش للعودة إلى بابل حيث كان يريد تأسيس عاصمة العالم فيها. وقد مات هناك عام 323 ق.م وهو في سن الثالثة والثلاثين بحمى المستنقعات والتسمم الكحولي.

دامت حملته أربعة عشر عام وامتدت أكثر من 25000 كيلو متر. كان رجلاً عبقريا خارق الذكاء غريب الأطوار كثير شرب الخمر حتى أنه قتل أحد أصدقائه بعد وليمة كثر فيها الشرب وهو ما آسف عليه بمرارة. سيحتفظ العالم له بذكرى، وفضل انتشار الحضارة الإغريقية عبر أوراسيا، حيث اليونانية كلغة اصبحت بفضله أكثر امتداداً. تأثرت آنذاك شعوب المناطق التي غزاها بالهلينية وثقافتها حتى الديانات السائدة فيها. فمثلا البوذيين حينما صنعوا تماثيل بوذا في باميان التي نسفها طالبان تحمل قناع ابولون إله الفن عند الإغريق.

بعد موت الإسكندر تفككت إمبراطوريته وأقتسمها جنرالاته ولكنهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بها كلها، فقد أسسوا في مقدونيا وسوريا ومصر أثنتين من الممالك الهلينية؛ المملكة السلوقية سُميت على أحد ملازمي الإسكندر ألا وهو سيلوكس وعاصمتها أنطاكية، والمملكة الثانية تُدعى مملكة بطليموس أو البطلمية نسبة إلى أحد الجنرالات وعاصمتها الإسكندرية التي أصبحت فيما بعد أكبر مدن العالم وأكثرها إشعاعاً، كانت مكتبتها حينها تضم أكثر من 700000 كتاب مخطوط على ورق البردي، التف وأنجذب حولها العلماء، وأصبحت المنارة التي تنير ليلاً ميناء الإسكندرية، والتي اشتق أسمها من اليوناني فاروس نموذجاً لجميع المصابيح على وجه الأرض.

الفترة الهلينية برزت ثقافتها وامتدت ثم خَبت، ثم وِلدت في عصور تالية في بلاد المسلمين والأندلس أو ما تلاها في أوربا القرون المتأخرة.                         

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .