العدد 5737
السبت 29 يونيو 2024
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
خربشة ومغزى "الخُيَلاء.. آفة أفراد ومجتمعات"
الأحد 23 يونيو 2024

الخُيلاء هي آفة أفراد ومجتمعات وابتلاء وتمادى في الكِبْر والعُجْب، علامته مشي صاحبه مُعجباً بنفسه، كأنه يدق الأرض ويذرعها اختيالاً وانتفاخًا أو يتطاول الجبال علواً، وهذا سلوك تبختر يطفو في الظاهر، وداء يُذِهب الوقار. تلك مثالم تجر إلى مذام سلوكية تصد الناس. وللخيلاء ضجيج طبول وصور تعبر عن مدائح أطفال لا تستجيش إلا أصحاب المنكرات، ومن لا يخشى خبث المهلكات. وهو بأس لن يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا.

وبالمثل القول عن التخايل عند بعضهم، فهو سلوك معيب يثقل طينة المرء ويغمسه في وَهَم ملذات، ونساء فاتنات ومراكب فارهات، وخيول مباهات، وريش وفُرش قصور فاخرات. هؤلاء مختالون متباهون يتحفزون لمن هرع لهم تقربا مقبلين أياديهم إرضاء وإيناس بُغيه استمطار بركات وهبات. صاحب التخايل ينبت حوله من يمتهنون التدليس وبراعة المدح والتصفيف. صفتهم لَبْس فاخر الثياب يذرعون ردهات القصور يتوارثون ويتكاثرون كالفِطر. يتعلقون بالقوي بُغية جاه ونفوذ. المُصاب بالتخايل تُناوشه متواليات تقعده من استكمال ملذات من كأس مُمزّجة بكدرِ مسكرات، وصبا وطر فيه مهلكات. تحسبه فِرح إنما تعلو وجه انطفاءة، وكآبة كدر في خلوته.

المختال ليس هو بدرٌ كما يُتوهّم تتمدحه أثار الوقار من الصفات، ولا هو مُلتذ حين سكونه مع نفسه يدرك أن الاختيال فيه كبائر سيئات. وهذا حال الناقص المفضوح بفتوق داء الخيلاء هي لا رتق لها إلا بتوبة نصوح؛ كالقمر المخسوف يُذكر بالأوبة والرجوع.  

هنالك بعض آفات تركبها حالات خيلاء وتبختر قد تحاوط حماسة المرء من ليس له طولة بال وتأني واحتمال، يترأى له عظيم ما فعل حتى وإن لم يكتمل بأثر وخبر. بعض من هؤلاء أحياناً تستميله ألفاظ تعظيم وتعميم واستفراد بصنيعه على أنه لا يُجارى أو يُبارى بمسبوق وملحوق. هكذا زهو يُخشى انطفاءه، وتجارب الحياة فيها استيفاء واستبصار لمعرفة قدر الإنسان في عالم عجيب الصنائع والبنيان. بل ناموس الحياة حين بلوغ ذروة تمكين وقوة، تحتاج مهارة احتفاظ واقتدار على ديمومة وتفعيل استمرار. إذ لا دوام لحال وتبدل أقدار. كم من علو ودنو حصل في دورة الأزمان. والعبرة بانتظار مآلات، وخواتم حالات، والحذر من فخ وهج عابر. وهذا درس لكلِّ إنسان ومجتمع.

معلوم أن الفرح والحبور بالإنجاز الفردي والمجتمعي علامة عافيه إذا تأطرت بحمد وشكر، وتعلّم وتبصر واستشراف لما بعد، تُذكر النجاحات كنعمة وسداد وتوفيق من رب العباد. نضج مثل هذا قاصم للتباهي والخيلاء والتبختر.

ختاما الشعر العربي طالما حوى في بعضه فخر وحماسه وخيلاء وتباهي، وفي مندوحة لامية العرب لعمرو بن مالك الأزدي الملقب بالشنفري ويعني عظيم الشفتين. فيها قرابة 68 بيت، قالها قبل الاسلام قرابة قرن من الزمان، وتعرض مشهد مجتمع البادية، وما فيه من شجاعة وعزة نفس وعزيمة وقوة وفخر وتباهي، بعض الفاظها ابتعدت عن رخو الكلام، واكتست صراحه واعتماد على الذات. فيها بيت شعر تلوح فيه مبالغة وصف حينما قال؛

إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي

تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ

يصف الشنفرى سرعة عدوّه وشدّة وطأته على الأرض، فقدماه الحافيتان تطئان الأرض فتتطاير الحجارة الصغيرة من سرعة عدوّه وخفته، بينما الصخور الكبيرة الصلبة فإنّها لا تترك أثرها في قدميه بقدر ما يترك هو فيها أثرا، فهي تحتك بقدميه فتقدح مُفتعلة شررا، ولعلّها مُبالغة مشوّقة في تصوير سرعة العدو والخفة. إنما الشاعر في بيت شعره هذا كأنه يمنح شيئا من واقعية ومصداقية مع تباهي مديح لنفسه.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية