العدد 6035
الأربعاء 23 أبريل 2025
سارتر ... (الوجودية والفن)
الخميس 17 أبريل 2025

ظهرت الوجودية على يد المفكر الدنماركي سورين كيركغور، من يعتبرها فلسفة، وهناك يعتبرها مجموعة أفكار وآراء.

لمجموعة من الفلاسفة مثل فريدريك نيتشه الذي انتشرت آراءه بشكل كبير في عصره القرن التاسع عشر والعشرين، والفيلسوف مارتن هايدغر، واخيراً جان بول سارتر الذي هو موضوع حديثنا، والذي ذاع صيته بسبب أفكاره وآراءه حول (الوجودية) ودأب على نشرها في رواياته.

 جاءت الوجودية من هذا التساؤل هل وجد الإنسان وحياته ومستقبله ومصيره حددت سلفاً - وهذه رؤية دينية. أم أن الإنسان يولد ثم يكبر ويعي وتكون له آراؤه وافكاره المستقلة وتبدأ حياته الحرة.

جاءت الوجودية لتهتم بالإنسان بحريه إرادته الوجودية، ولا تهتم بالمجتمع، بل ولا بما يقوله المجتمع الذي غالبا ما يكون تابعاً لما تمليه السياسة او اية سلطه او اية إملاءات اخرى، لذا نرى سارتر يضخم من إمكاناته وقدرة الفرد على تحقيق الآمال، طالما الإنسان بطبعه حراً.

 لذا نرى الفرنسيين يرحبون بفكرته لأنهم وجدوا فيها الأمل في تخليص بلادهم، وتخليصهم مما حَلَّ بهم، ونعني بذلك احتلال ألمانيا النازية في الاربعينيات من القرن العشرين خلال الحرب العالمية الاولى والثانية والتي 
فاجأت وارعبت وأربكت الفرنسيين لأنها كانت على حين غرّه.

وإذا ما حاولنا ان نتعرف على رأى الفيلسوف جان بول سارتر في الفن، فسنرى ان من افكاره وآرائه الآتي: يرى سارتر ان هناك فرق بين الفنون والأدب من ناحية المادة، فالرسم عند سارتر مادته الألوان، والموسيقى مادتها الأصوات، والنحت مادته الحجارة، أما الأدب فمادته الكلمات، ويرى أيضاً ان هناك فرق بين الشعر والشاعر، وبين الكاتب والنشر والناشر.


فهو يرى ان الشاعر يهتم بالمفردة، ويجد في البحث عنها لذا فهي عصيه لا تطاوعه،  لذا ترى ان المعنى يتلاشى ويتباعد بسبب المفردات،  بينما المفردة عند الكاتب او في النثر هي جسر ممتد مباشرة بين الكاتب والناشر والقارئ لذا فهو يقول " توصيل المعاني في سهولة على الكاتب والناشر، ويبعد الشعر كوسيلة لنشر الحقائق" وسارتر يرى بناء على أهمية الكتابة أن على الأديب الذي امتهن الكتابة ان يكون صادقاً أو لا يمارس هذه المهنة، وقد هاجم كثيرا من الأدباء الذي تقاعسوا  وترددوا في  التعبير عما كان يحدث من مجازر في انحاء العالم.

 بينما لو قالوا الحقيقة لا مكننا من تخفيف مما كان يحدث، وبالنسبة للحرية التي اعتبرها سارتر هي الوسيلة التي عن طريقها يمكننا مقاومة الظلم وتحقيق العدالة، نراه يهاجم وينتقد بلده فرنسا في الاستمرار على إبادة الشعب الجزائري، مطالبا اياها بإعطاء الجزائريين حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

وفي عوده إلى الفن، يقول النقاد رأيهم لما قاله ساتر في الشعر والفن: يبدو ان سارتر كان متأثرا بالنزعة الرمزية في الشعر الفرنسي الذي ساد في فترة معنية على يد الشاعر آرثر رامبو، ولو اتجه إلى الشعراء من امثال هيلدا دوليتل و نوفاليس وتوماس ستيرنز إليوت، لوجد في الشعر المعاني الذهنية، والدلالات الميتافيزيقية ما قد يدفعه إلى التقليل من حدّة تلك القوة التي اقامها بين الشعر والنثر.

فالحق ان الفن سواء كان نثراً او شعراً او تصوير او نحتاً او موسيقى، إنما هو في صميمه لغة رمزية تقوم على طائفة من الاشكال والرموز، فليس هناك موضع للقول بأن المصور يهدف إلى اللون في ذاته، وأن الموسيقار يهدف الى النغم فى ذاته، أو أن الشاعر يهدف إلى اللفظ في ذاته، وإنما الحق الذي يجب أن يقال وان يسلّم به من أن ألوان أوغوست رينوار على سبيل المثال تحمل دلالات معنية وان موسيقى بيتهوفن تنطوي على معانٍ، وأن قصائد الشاعر ت. س. إليوت عامرة بالأفكار. 

ومها كان من امر تلك التفرقة الحاسمة التي اقامها سارتر بين النثر من جهة و غيره من الفنون الأخرى من جهة أخرى، فستظل الفنون جميعاً لغات رمزية تتنوع اساليبها، وتتعدد اشكالها، لكنها تتفق جميعها في كونها تعبير عن العمليات الديناميكية لحياتنا الباطنية، وأنها تقوم بجهدٍ تركيبي هائل من اجل تزويدنا بنوع من الحقيقة، ألا وهي حقيقة الأشكال الخالصة، لا الاشياء التجريبية، ومن هنا فأن لكل عمل فني بناءً ذهنياً يكشف عن نوع من انواع المعقولية، الا وهي معقولية الصور أو الأشكال، ولو ان سارتر فهم ما في الفن من لغةٍ رمزيه لما تورط في استبعاد فنون كالشعر والتصوير والموسيقى من دائرة الالتزام بحجة انها مجرد وسائل في خدمة المتع الجمالية الخالصة دون ان تكون لها ادنى دلالات معنوية او فكرية
 

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية